من أحكام الحضانة في القضاء السعودي
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فإن دعاوى الحضانة ومنازعاتها هي واحدة من أكثر أنواع الدعاوى المنظورة بالمحاكم السعودية؛ لذا أحببنا إلقاء الضوء على أهم المبادئ الفقهية والأحكام القضائية المعمول بها بالقضاء السعودي، مع الأخذ في الاعتبار أن لكل دعوى ظروفها وملابساتها الخاصة التي يتوقف عليها الحكم في الدعوى؛ إلا أنه يوجد مجموعة من القواعد والمبادئ العامة التي تنبني عليها الأحكام من حيث العموم، ومن ذلك ما يلي:
1) الأصل أن تكون الحضانة للنساء وتقديمهن على الرجال، وذلك لما جبل الله النساء عليه من الحنان والعطف والمودة على الأبناء ورزقهن الصبر على ذلك مما لا يتوافر عند الرجال مثله، وقد جاءت به الأحاديث الشريفة من أحقية النساء بالحضانة ما لم تتزوج، ونص على هذا الأصل أهل العلم في كتبهم كما جاء في المغني لابن قدامة وقاله القرافي في الفروق وحكم به الصحابة رضوان الله عليهم.
2) كذلك من المبادئ الفقهية في مسائل الحضانة ما قرره أهل العلم من أن الأب لا يلي الحضانة بنفسه، وإنما يدفع المحضون لغيره من النساء، وذلك لما جرت به العادة من أن الأب يتصرف في المعاش والخروج للعمل والأم مقصورة خدرها مقصورة في بيتها؛ فهي أكثر تفرغاً للحضانة من الرجل، وهو ما قرره أهل العلم في كتبهم كما جاء في كشاف القناع وشرح الزركشي ومجموع الفتاوى.
3) مع مراعاة الأصل المقرر لأحقية الأم في الحضانة؛ إلا أنه يرد على هذا الأصل استثناء يقيد هذا الأصل ويخصص عمومه، ألا وهو زواج الأم عملاً بالحديث الشريف: “أنتِ أحق به ما لم تنكحي”، وهو ما يؤخذ منه بمفهوم المخالفة عدم أحقيتها بالحضانة في حال زواجها، وهو ما قرره أهل العلم من أنه لا حضانة لامرأة مزوجة لأجنبي من الطفل لأنها تشتغل عن حضانته بحق الزوج فتسقط حضانتها كما جاء في كشاف القناع والمغني وشرح الزركشي، واختاره شيخ الإسلام في الفتاوى الكبرى.
4) كذلك فإن من أحكام الحضانة أحقية الأب في الحضانة حال اختلاف دار الإقامة لكلا الوالدين؛ فقد ذهب جمهور الفقهاء من الحنابلة والشافعية والمالكية على أحقية الأب في الحضانة متى أراد أحد الأبوين نقل المحضون إلى بلد مسافة قصر فأكثر فالأب أحق بالحضانة حينئذ، نص على ذلك البهوتي في شرح منتهى الإرادات والمرداوي في الإنصاف وقال بن قدامة في تعليل ذلك بأن البعد الذي يمنع الأب من رؤيته يمنعه من تأديبه،وتعليمه، ومراعاة حاله، ثم قال: وبما ذكرناه من تقديم الأب عند افتراق الدار بهما.
5) أحقية الأب في حضانة الأنثى بعد بلوغها سن التمييز؛ إذ قد قرر الفقهاء أن من حق الأب حضانة الأنثى بعد سن التمييز لأنه الأقدر على صيانتها وحفظها ولأنه هو الذي ينفق عليها شرعاً، وهو أيضا وليها في النكاح ولهذا نصّوا على أن الأحفظ لها الأصلح لحالها هو أبوها وأنه لا يصحّ قياس ذلك على الغلام، وقد علل بن قدامة ذلك بأن حفظ الجارية بعد سن التمييز بكونها عند أبيها الذي هو أولى وأقدر على ذلك وأنها إنما تخطب منه وأنه وليها والمالك لتزويجها فينبغي أن يقدم على غيره، وقد تزوج النبي صلى الله عليه وسلم عائشة، وهي ابنة سبع.
6) ومن جملة الأحكام الشرعية في مسائل الحضانة أيضاً؛ تخيير المحضون بين الأب والأم حال تنازعهما عليه في الحضانة، وذلك بعد بلوغ الصبي سن التمييز؛ لما روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أن امرأة جاءت إليه فقالت يا رسول الله: إن زوجي يريد أن يذهب بابني … فقال النبي – صلى الله عليه وسلم -: «هذا أبوك وهذه أمك، فخذ بيد أيهما شئت» فأخذ بيد أمه فانطلقت به.
7) كما أنه ومما تجدر الإشارة إليه في مسألة التخيير؛ أن يكون التخيير يحقق مصلحة المحضون؛ وإلا فلا يعمل به إن كان ضد مصلحته، وقد قال بن القيم رحمه الله في زاد المعاد: (سمعت شيخنا يقول : “تنازع أبوان صبياً عند بعض الحاكم فخيره بينهما، فاختار أباه، فقالت له أمه: سله لأي شيء يختار أباه، فسأله فقال : أمي تبعثني كل يوم إلى الكتاب، ويضربني الفقيه، وأبي يتركني ألعب مع الصبيان، فقضى به للأم، وقال : أنت أحق به).
8) من أهم قواعد وأحكام الحضانة هو حق المحضون ومصلحته في الحضانة، وذلك نظراً لما قرره أهل العلم من أن مصلحة المحضون هي المقصد وإليها المنتهى كما قال ابن قدامه في المغني 8 /238: (أن الحضانة إنما تثبت لحظ الولد فلا تشرع على وجه يكون فيه هلاكه وهلاك دينه)، وكما جاء في فتاوى شيخ الإسلام قدس الله روحه قوله: (أن الحضانة حق للحاضن يراعى فيه مصلحة المحضون في ترجيح أحد المتنازعين عن الآخر فيعمل بها)، وقال أيضا في الفتاوى: (وكل من قدمناه في الحضانة من الأبوين، إنما نقدمه إذا حصل به مصلحتها أو اندفعت به مفسدتها)، كما نصّ الإمام ابن القيم رحمه الله تعالى على ذلك في زاد المعاد 5/ 424 بقوله: (فمن قدمناه بتخيير أو قرعة أو بنفسه فإنما نقدمه إذا حصلت به مصلحة الولد).
9) وإشارة لما سبق ذكره من سقوط حضانة الأم بزواجها، إلا أنه يمكن مع ذلك الحكم لها بالحضانة وعدم سقوط حضانتها إذا رضي الزوج الجديد بذلك، وآثر كون الطفل عنده كما نص على ذلك أهل العلم في كتبهم معللين ذلك بأن سقوط حضانة الأم بالزواج ليس حقاً لله، وإنما حق للزوج حتى لا تنشغل بالمحضون عن حقوق الزوج؛ فإذا رضي الزوج الجديد بذلك زال الإشكال.
10) ومن جملة الفوائد في مسائل الحضانة الإشارة إلى تعميم المجلس الأعلى للقضاء ذي الرقم: (1167/11/35)، وتاريخ: 30/10/1435ه، والذي قرر أنه على الدائرة المختصة بنظر دعوى الحضانة تضمين الحكم بالحضانة أنه يحق للمحكوم له بالحضانة حق مراجعة الأحوال المدنية والجوازات والسفارات وإدارات التعليم والمدارس وإنهاء ما يخص المحضون من إجراءات لدى جميع الدوائر والجهات الحكومية والأهلية ما عدا السفر بالمحضون خارج المملكة فلا يكون بإذن من القاضي في بلد المحضون وذلك فيما إذا كان الحاضن غير الولي وأن يعامل طلب الإذن بالسفر بالمحضون خارج المملكة معاملة المسائل المستعجلة وفقاً للمادتين (205 و206) من نظام المرافعات الشرعية.
إعداد: إدارة موقع المستشار القانوني : عبد المنعم محمد يسري
السعودية: 0546985353 / مصر: 00201061348296