لائحة اعتراضية في حكم تفحيط وقتل خطأ
أصحاب الفضيلة رئيس وقضاة محكمة الاستئناف بالمدينة المنورة حفظهم الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته, وبعد:
لائحة اعتراضية:
على الحكم الصادر من فضيلة الشيخ: ……….؛ القاضي بدائرة الأحداث بالمحكمة الجزائية بالمدينة المنورة والصادر برقم: …….., وتاريخ: 20/12/1437هـ, والذي قضى بإيداع موكلي بدار الملاحظة لمدة خمس سنوات وجلده ثلاثمائة جلدة على دفعات متساوية, مع دفع دية القتل الخطأ.
أسباب الاعتراض:
أولاً: من الناحية الشكلية: لما كان الحكم صادرا بتاريخ: 20/12/1437هـ, ونصت المادة (194) من نظام الإجراءات الجزائية على أن: (مدة الاعتراض بطلب الاستئناف أو التدقيق ثلاثون يوماً, فإذا لم يقدم المعترض اعتراضه خلال هذه المدة سقط حقه في طلب الاستئناف أو التدقيق …), وعليه فيكون الإعتراض مقدماً في المدة النظامية وحرياً بالقبول من الناحية الشكلية.
ثانياً: من الناحية الموضوعية: وأما من ناحية الموضوع فإن الحكم قد شابه عدد من الملاحظات نوجز لفضيلتكم ردنا عليها فيما يلي:
أولاً: بطلان الإقرار المرصود لمخالفته للأنظمة الشرعية:
إن من الثابت بالصك أن صاحب الفضيلة بنى حكمه على الإقرار الصادر من موكلي في التحقيق بشكل رئيسي, وذلك كما جاء بالصك بالصفحة (3) سطر (2) ما نصه “ولمصادقة المُدّعى عيه على اعترافه تحقيقاً بأنه كان يمارس التفحيط …”, وذلك على الرغم من إيضاح موكلي لفضيلته بمجلس القضاء الشرعي أنه إنما اعترف بذلك خوفاً من أن يسجن ويتم إيقافه حال عدم الإدلاء بذلك, كما أنه كان مفجوعاً من الحادث ولا يتمالك أعصابه من هول ومفاجأة الحادث وقد أُغلق عليه من شدة الخوف, ولا يخفى على فضيلتكم بطلان هذا الإقرار؛ وذلك من وجهين كالتالي:
أ) الوجه الأول: مخالفة الإقرار المزعوم للمادة (108) من نظام المرافعات الشرعية ونصها: (يجب أن يكون الإقرار حاصلاً امام القضاء أثناء السير في الدعوى المتعلقة بالواقعة المقر بها), وهو ما لا يتحقق في هذا الإقرار المزعوم لعدم حصوله أمام القضاء وأثناء نظر الدعوى, بل مخالفاً تماماً لما قرره موكلي في مجلس القضاء الشرعي لدى فضيلته وعليه فلا يجوز أن يترك كلامه الذي جاء بمجلس القضاء الشرعي موافقاً لما اشترطه النظام من حصول الإقرار بمجلس القضاء الشرعي وأثناء نظر الدعوى ويؤخذ الكلام الوارد على غير النحو الواجب نظاما وذلك عملاً بحكم المادة (110) من نظام المرافعات الشرعية ونصها: (لا يتجزأ الإقرار على صاحبه فلا يؤخذ منه الضارّ به ويترك الصالح له بل يؤخذ جملة واحدة).
ب) الوجه الثاني: مخالفة الإقرار لنص المادة (102) من نظام الإجراءات الجزائية ونصها: (يجب أن يكون الاستجواب في حال لا تأثير فيها على إرادة المتهم في إبداء أقواله), ولا يخفى على فضيلتكم الحالة النفسية والعصبية والانفعالية التي كان فيها موكلي بسبب فجعته وهلعه من الحادث؛ إذ تم نقله إلى المستشفى فور الحادث وعند حضور والدته أغمي عليها وتم أخذ موكلي فوراً إلى التحقيق وهو ما زال في حالة ذهول لا يدري ما يحدث حوله ولا يتمالك أعصابه؛ ولا يخفى على فضيلتكم ما لهذه الحالة من تأثير على إرادة ووجدان وتفكير حدث في مثل عمر موكلي والبالغ من العمر (17) سنة فقط.
ولذلك فإنني أدفع ببطلان الإقرار المرصود في التحقيق لمخالفته النظام الذي أوجب –وجوباً- حصول الإقرار أمام القضاء, واستجواب المتهم في حالة لا تأثير فيها على إرادته, ولا يخفى على فضيلتكم ما جاء في نص المادتين (108 من نظام المرافعات الشرعية و 102 من نظام الإجراءات الجزائية) من كلمة –يجب- والتي تعني الوجوب ويترتب على مخالفتها البطلان, عملاً بحكم المادة (187) من نظام الإجراءات الجزائية ونصها: (كل إجراء مخالف لأحكام الشريعة الإسلامية أو الأنظمة المستمدة منها يكون باطلاً), وقد جاء عن عمر رضي الله عنه انه قال ليس الرجل بأمينا على نفسه إن أخفته أو حبسته أو أجعته؛ وقد اجتمع في موكلي حالتي الخوف والحبس.
ثانياً: بطلان شهادة الشاهد:
ونظرا لأن شهادة الشاهد هي الركن الثاني التي بنى عليها فضيلته حكمه بعد الإقرار المزعوم؛ لذلك فإني أفيد فضيلتكم ببطلان الشهادة المرصودة لمخالفتها للشرع والنظام, وذلك من وجهين بيانهما فيما يلي:
أ) الوجه الأول: أن الشاهد لم يشاهد بنفسه موكلي وهو يمارس التفحيط المنسوب إليه؛ وإنما شهادته ما هي إلا روايةً لكلام موكلي في التحقيق؛ أي أنها مبنية على الإقرار الباطل والمخالف للأنظمة الشرعية على النحو الوارد بيانه في البند “أولا” من هذه اللائحة, وبناء على ذلك تبطل الشهادة المذكورة عملاً بالقاعدة الشرعية “ما بني على باطل فهو باطل”, وعملا بحكم المادة (190) من نظام الإجراءات الجزائية ونصها: (لا يترتب على بطلان الإجراء بطلان الإجراءات السابقة عليه ولا الإجراءات اللاحقة له ما لم تكن مبنية عليه), وكما ترون فضيلتكم في هذه الشهادة المذكورة أنها مبنية على القرار الباطل فيتعين بطلانها.
ب) الوجه الثاني: أن الشهادة المذكورة قاصرة ولا ترقى لدرجة البينة الشرعية لأنها من شاهد واحد ولا يخفى على فضيلتكم أن الشهادة يجب أن تكون من شاهدين رجلين أو رجل وامرأتين كما قال الله تعالى: (وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ ۖ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ), وقال النبي صلى الله عليه وسلم “شاهداك أو يمينه”, كما أنه لم يتم تزكية الشاهد ولم يطلب فضيلته مزكين ليتبين عدالة الشاهد عملاً بقول الله تعالى “واستشهدوا ذوي عدل منكم”.
ولذلك فإنني أدفع ببطلان الشهادة المذكورة عملا بحكم المادة (187) من نظام الإجراءات الجزائية ونصها: (كل إجراء مخالف لأحكام الشريعة الإسلامية أو الأنظمة المستمدة منها يكون باطلاً)
ثالثاً: عدم ثبوت فعل التفحيط:
وأما بخصوص ثبوت فعل التفحيط وما ذكره فضيلته بالصك في الصفحة (3) سطر (5) من الاستدلال بالإقرار المزعوم والشهادة القاصرة عن البينة على أن موكلي كان يمارس التفحيط فقد تم الرد على ذلك بالبندين “أولاً” و “ثانياً”, وعليه لم يثبت بدليل قطعي ولا بينة شرعية موصلة أنه كان يمارس التفحيط, وكما هو معروف أن الدعوى لا تثبت إلا ببينه عادلة موصله أو إقرار اختياري لا شبهة فيه وهذا ما لا يتوافر في هذه الدعوى.
كما أن النظام بموجب المادة (2/41) من نظام المرور حدد وصف وفعل التفحيط بأنه “الانطلاق سرعة كبيرة وبشكل مفاجئ أو غير منتظم بحيث تحدث الإطارات صوتاً عالياً مزعجاً وأي من أنواع القيادة بشكل متهور وخطر لأجل اللعب والاستعراض أو سد الطرق وعرقلة السير”, وهذا الفعل بهذا الوصف الذي رتب عليه النظام العقوبة لم تقم عليه بينة موصلة وثابتة على نحو يشغل الذمة من إقرار أو شهادة شهود أو غيره, فلماذا لم يتم سؤال المارة وأصحاب المحلات والصيدلية المذكورة أنها اصطدم بها مع وجود الداعي وقوة المقتضى لاستقصاء الحقائق والبحث والتحري, كما أن طبيعة المكان الذي وقع فيه الحادث تنفي ذلك تماماً؛ إذ لا يتناسب مع هذا المكان المزدحم قيام الشخص القادم من القادم من اتجاه السبع مساجد وعند تجاوزه لسوق المدينة الدولي وهو المكان الذي به إشارة من أكثر الإشارات ازدحاماً بشارع سلطانة؛ بل بالمدينة المنورة بأكملها؛ لا يتناسب ذلك أبداً مع التفحيط على النحو الوارد في المادة (2/41) من نظام لمرور.
رابعاً: الحالة المرضية للمدعى عليه ومراعاة الظروف المخففة:
كما أفيد فضيلتكم بان موكلي مريض ويعاني حساسية وربو وتنتابه حالات تفاجئه من آن لآخر وهو ما حدث له وقت الحادث فجعله لا يستطيع التحكم في القيادة, ولا يخفى على فضيلتكم أن الله عز وجل قد اعتبر عذر المرض في كتابه العزيز ورتب عليه أحكاماً خاصة للمريض تخفيفاً عنه مراعاة لعذره, إضافة إلى عدم ثبوت فعل التفحيط المنسوب لموكلي على النحو الذي تم بيانه لفضيلتكم في الرد على أدلة المُدّعي العام من الإقرار والشهادة كما بالبندين “أولاً” و “ثانياً”, وكما أن موكلي حدث صغير بالسن وهو يدرس بالصف الأول الثانوي؛ ولا يخفى على فضيلتكم أثر السجن في ضياع مستقبله, علماً بأنه منتظم في دراسته ولديه شهادات بحسن السير والسلوك (مرفق 1).
خامساً: عدم تناسب العقوبة مع الفعل ومخالفة الأنظمة والتعاميم:
إذ أن فضيلته حكم على موكلي بموجب القتل الخطأ وألزمه بدية القتل الخطأ؛ ثم قرر عليه عقوبة القتل العمد؛ على الرغم من ضرورة التفريق بين حكم القتل العمد والخطأ, كما جاء في الإرادة الملكية في خطاب الديوان العالي رقم: 8/4/2104, في/ 1363هـ, والتي قضت بأن “المتعمد في القتل الذي يحكم عليه بالدية يسجن خمس سنوات, أما غير المتعمد فيكتفى بسجنه سنتين ونصف تخفيفاً عليه” (مرفق2)؛ فكيف يقضي عليه فضيلته بالقتل الخطأ ثم يحكم عليه بحكم القتل العمد؟!
كما جاء الحكم أيضاً مخالفاً للحد الأعلى للعقوبة المقررة في المادة (62) من نظام المرور ونصها: (كل من أتلف نفس إنسان -كلاً أو بعضاً- في حادث سير متعدياً أو مفرطاً يعاقب بالسجن مدة لا تزيد على سنة واحدة وبغرامة مالية لا تزيد على عشرة آلاف ريال أو بإحدى هاتين العقوبتين), كما أن ما جاء في الإرادة الملكية والمادة السالف هو ما أخذته التعاميم المختلفة بعين الاعتبار في تخفيف السجن في حالة العقوبة التعزيرية؛ ومنها التعميم رقم: 13/ت/125, وتاريخ: 26/08/1423هـ, والذي نص على أنه “على أصحاب الفضيلة القضاة عند إرادة إصدار أحكام جلد وسجن ملاحظة مكان إيقاع العقوبة وإذا كانت تعزيرية ملاحظة تخفيف السجن” (مرفق 3).
فلذلك؛ وبناء على جميع ما تقدم أطلب من فضيلتكم الآتي:
أولاً : أساسياً تخفيف العقوبة وذلك بالاكتفاء بما قضاه موكلي موقوفاً على ذمة القضية؛ مراعاة لحالته المرضية وصغر سنه ونظراً لعدم ثبوت فعل التفحيط ببينة شرعية.
ثانياً : احتياطياً إيقاف تنفيذ العقوبة لما في ذلك من تجنيب للمحكوم من الآثار السيئة نتيجة الاختلاط داخل السجن مع معتادي الإجرام , ولما نقل الماوردي في الأحكام السلطانية ” أن تأديب ذي الهيئة من أهل الصيانة أخف من تأديب أهل البذاءة والسفاهة ” وموكلي حسن السير والسلوك كما تم إرفاق شهادات بذلك, ولما ورد بالمادة (214/2) من نظام الإجراءات الجزائية ونصها: (للمحكمة التي تنظر الدعوى أن تنص في حكمها على وقف تنفيذ عقوبة السجن التعزيرية في الحق العام إذا رأت من أخلاق المحكوم عليه أو ماضيه أو سنه أو ظروفه الشخصية أو الظروف التي ارتكبت فيها الجريمة أو غير ذلك ما يبعث على القناعة بوقف التنفيذ).
والله يحفظكم ويرعاكم ,,
إعداد: إدارة موقع المستشار القانوني : عبد المنعم محمد يسري
السعودية: 0546985353 / مصر: 00201061348296